📁 آخر الأخبار

بوتين الفائز الأوَّل.. سيحقِّق أكبر المكاسب في الانتخابات الأمريكية أياً كانت نتيجتها

 

يوم الثلاثاء المقبل، سينتخب الأميركيون هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب ليصبح أحدهما الرئيس المقبل للولايات المتحدة. لكن بغض النظر عن هوية الفائز، يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإعلان عن فوزه بالسباق الرئاسي الأميركي لعام 2016 منذ الآن.
مثّلت الحملة الروسية باختراق وتسريب رسائل إلكترونية ومستندات خاصة تعود لمنظمات سياسية أميركية تدخلاً غير مسبوق في سير الانتخابات الأميركية. وبينما لم يتضح إذا كان بوتين يسعى لانتخاب ترامب خاصةً، أخبر ستة مسؤولين استخباراتيين وخبراء روس موقع “ذا ديلي بيست” أن حملة الاختراق الإلكتروني نجحت في إحراج السياسيين الأميركيين، وإثارة غضب جمهور الناخبين المنقسم بالفعل، وجعلت بوتين شخصية رئيسية في رواية انتخابات هذا العام.
وقال المتحدث آدم شيف، أبرز مسؤول ديمقراطي بلجنة الاستخبارات بالبيت الأبيض: “أعتقد أنه نجح بالطبع في خلق خلاف جديد حول نظامنا السياسي. وعمل على إضعاف موقف كلينتون حتى تكون عدواً أقل تهديداً إذا فازت بالانتخابات”.
وأضاف شيف، الذي علم بموجز حملة الاختراق من خلال مسؤولين استخباراتيين أميركيين، إن لجنة الاستخبارات ترى في الحملة الروسية “خطراً بالغاً”. ويعود هذا جزئياً لواقع أن التدخل الروسي بمسار الانتخابات الرئاسية لم يكن حدثاً منفرداً. بل كان حلقة من سلسلة تزداد جرأة من التحركات الروسية بغرض تحدي سلطة الولايات المتحدة وتحسين موقف بوتين أمام شعبه.

ليست الهدف بحد ذاتها

وقال شيف: “أظن أن بداية تحوّل الموقف الروسي تعود إلى ما قبل عمليات الاختراق، فقد ازدادت عدائية بوتين باجتياح أوكرانيا، ودوره في الحرب السورية. هذه أقل مظاهر العدوان الروسي ضد الولايات المتحدة ومصالحها”. وأضاف أنه لا يوجد سبب يدفع للاعتقاد أن هذه السياسة ستتوقف مع نهاية يوم الانتخابات.
وراقب محللون استخباراتيون حملات الدعاية الروسية في أوروبا عن كثب. وهدفت هذه المحاولات، التي سبقت عملية الاختراق الإلكتروني للولايات المتحدة، إلى إضعاف الانتخابات، فقد نشرت معلومات مغلوطة عن قادة الدول الأوروبية وأدت إلى تآكل الدعم الشعبي للاتحاد الأوروبي.
وفي الصيف الماضي، صرح أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي أنه تم توثيق تواجد مواقع إلكترونية لنشر الدعاية الروسية والسخرية الموّجهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في كل دولة أوروبية. ووُجدت مئات من مواقع “المعلومات المضللة” الإلكترونية في بولندا، والتشيك، وسلوفاكيا، والمجر. والآن خصص الاتحاد الأوروبي قوة كاملة بهدف كشف نظريات المؤامرة والقصص الإخبارية الكاذبة التي تروّجها موسكو.

“انتقام”

وقال شيف: “ونرى الآن في الولايات المتحدة تصعيداً مقلقاً في هذا النوع من السياسات”.
لماذا قرر بوتين أن يكون الصيف الماضي بداية ما سمّاه “الإجراءات النشطة” في الولايات المتحدة؟ يظل هذا نقاشاً مهماً بين أعضاء لجنة الاستخبارات الأميركية. ويقول مراقبون إن تظاهرات عام 2011 في موسكو وما تلاها من إسقاط الحكومة الموالية لروسيا في أوكرانيا أخلّت بثقة بوتين في استمراره السياسي. ويرى بوتين أن الولايات المتحدة هي المخطِط الفعلي وراء هذه التحرّكات، كما فسّر رئيس الاستخبارات القومية جيمس كلابر في مؤتمر أمني في مدينة آسبن بولاية كولورادو الصيف الماضي.
وقال كلابر: “أظن أن منهجهم يعتمد على الاعتقاد بأننا نحاول التأثير على التطورات السياسية في روسيا، أننا نحاول عرقلة التغيير، وبالتالي كانت استجابتهم الطبيعية هي الانتقام ومحاربتنا بما يعتقدون أننا نحاربهم به”.

ذخيرة بوتين

قال شيف إن موجة الاختراق، والتي أعلنت لجنة الاستخبارات بشكل رسمي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن المسؤولية عنها قادمة من أعلى مستويات الحكومة الروسية، يُنظر إليها “كرد اعتبار” لاستنتاج بوتين الخاطئ أن إدارة أوباما هي المسؤولة عن متاعبه السياسية في بلاده. وحتى يعطي حكمه في روسيا شرعية أقوى، يعمل بوتين بشكل روتيني على كشف فساد وتحيّز المسؤولين الأميركيين والأوروبيين كما يتهم خصومه الروسيين بالتصرف مثلهم. وأعطته التسريبات القادمة من اللجنة الوطنية الديمقراطية ولاحقاً من داخل حملة كلينتون الانتخابية كل ما يحتاجه من ذخيرة، أظهرت التسريبات مساعي اللجنة الوطنية الديمقراطية وقياداتها لإحباط منافسي كلينتون الديمقراطيين، وكشفت معلومات صُنفت بالسرية خاصة بحملتها الانتخابية.
وقال بيتر كليمنت، وهو نائب مساعد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA وأبرز محللي الشأن الروسي في الوكالة، في تعليق علني نادر بمؤتمر في واشنطن في سبتمبر/أيلول الماضي “ليست أجندة بوتين خارجية فقط، جزء منها داخلي. إذا نظرت إلى آخر التسريبات من داخل لجنة الحزب الديمقراطي، تجد أن الإعلام الروسي ربطها سريعاً جداً بحقيقة “الغرب دائماً يعظنا، لكن انظر إلى نظامهم الجوهري، هل كانت تلك لعبة عادلة؟” وهو ما تنتقده الولايات المتحدة بشأن الروس باستمرار”.
قال كليمنت إن الصحافة الروسية حصلت أيضاً على وثائق مسرّبة من الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، وأظهرت الوثائق تعاطي رياضيين أميركيين مواد ممنوعة بعد أن طُرد الرياضيون الروس من المنافسة بسبب تعاطيهم لمنشطات أيضاً. (أعطت الوكالة لبعض الرياضيين الأميركيين المعروفين إذناً بتناول أدوية لعلاج أمراض شائعة.) وأعطى هذا الاكتشاف فرصة ذهبية لبوتين، لكشف ما يراه نفاقاً غربياً، ولإعلان طبيعية التصرف الروسي على الساحة الدولية.

“يمارس الجميع ما يتهموننا به”

وأضاف: “إذا راقبت الإعلام الروسي عن قرب، سيصلك الموضوع الرئيسي بوضوح، أعتقد أن بوتين يرى في هذا طريقة لاكتساب شرعية أمام شعبه “لسنا مختلفين فعلياً عن بقية العالم، يمارس الجميع كل ما يتهموننا بفعله، على الأقل تتمتع بلادنا بالنظام والاستقرار”. لكن هذه المرة، باستهداف الانتخابات الأميركية، يمارس بوتين لعبته تلك مع الناخبين الأميركيين.
قال مارك غاليوتي لموقع ديلي بيست، وهو باحث أول في معهد العلاقات الدولية في براغ: “أرجّح أن بوتين يقصد أن تكون التسريبات مبهمة كفاية لينكر صلته بحدوثها، لكن بنفس الوقت واضحة كفاية لتوجيه رسالة: يمكننا فعل هذا وقد فعلناه، لا نخاف منكم. وهو تصرف كلاسيكي من جانب بوتين، جيوسياسي بغيض يحاول أن يفوز بصدارة العالم من خلال مجازفات ذكورية. كان هذا المكافئ الإلكتروني لجلب كلب ضخم إلى اجتماع مع أنجيلا ميركل، المعروف خوفها من الكلاب”.

امتياز هام

وإذا كان منهج بوتين يعتمد على إرهاب قادة العالم، فقد اتخذ موقفاً معاكساً في الانتخابات الأميركية، بمغازلة أحد المرشحين. وقال شيف: “ويجب القول، أن هذا أصبح ممكناً، بل ناجحاً، لأن أحد المرشحين الرئاسيين سمح له بالحدوث”.
وقد مدح ترامب الرئيس الروسي واصفاً إياه بالقائد الحكيم والقوي، وشجّع المخترقين الروس بكشف عدد أكبر من رسائل كلينتون الإلكترونية، ونفى في ذات الوقت مسؤولية روسيا عن حملة الاختراق، متجاهلاً إجماع 17 وكالة استخبارات أميركية على العكس.
وقال شيف: “منح هذا امتيازاً هائلاً للكرملين، فقد مكنّهم من الإعلان عبر قناة RT (روسيا اليوم، القناة التلفزيونية الروسية الناطقة بالإنكليزية) أن أحد المرشحين الرئاسيين الأميركيين يؤمن بعدم مسؤولية روسيا عن التسريبات. وأعطى هذا مصداقية لإنكارهم الأمر”.

“الأحمق المفيد”

وكتب الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مايكل هيدن في صحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة الماضي أن ترامب لعب دوراً سوفييتياً قديماً “الأحمق المفيد، وهو شخص ساذج تتلاعب به موسكو، تحتقره سراً لكنها ترحّب بدعمه الأعمى وتستغله”.
واستغلت كلينتون أيضاً هذه الفكرة، وجعلت الصلة المشتبهة بين ترامب وبوتين جزءاً من خطابها الانتخابي. وأعلنت حملتها الانتخابية أن حملة التسريبات صُممت خصيصاً لتعزيز فرص ترامب بالفوز، وهو افتراض لم تضعه لجنة الاستخبارات. وروّجت حملتها الانتخابية مقالاً تم انتقاده على نطاق واسع يشير إلى وجود خط تواصل سري بين شركة ترامب وبنك روسي. وخلال المناظرة الرئاسية الثالثة، لقبت كلينتون ترامب بكونه “دمية” الرئيس الروسي.
وبينما تعتمد استراتيجية كلينتون على سحب مصداقية ترامب بحجة كونه جاسوساً تابعاً للكرملين، صب هذا أيضاً في مصلحة بوتين. وقالت فيونا هيل، المسؤولة السابقة في قسم الاستخبارات القومية في روسيا وأوروبا وآسيا في مجلس الاستخبارات القومي الأميركي: “وصف ترامب بالدمية يدل على ضعف النظام السياسي الأميركي”.

فوز لبوتين

وقالت هيل، وهي الآن زميل أول في معهد بروكينغز للدراسات وأحد مؤلفي كتاب “بوتين: عميل في الكرملين Putin: Operative in the Kremlin” “هذا الاتهام يجعل نظامنا السياسي يبدو ضعيفاً إلى حد أن الدخلاء يستطيعون التوغل فيه. وهو فوز لبوتين لأن كل ما يريد إيصاله هو أن السياسة الأميركية مريعة. ويحاول باستمرار الطعن في حقيقة استثنائية النظام الأميركي”.
ما يريده بوتين فعلاً هو أن يخيّم على مخيلة الأميركيين ومحادثاتهم، وكان هذا ما حصل عليه في موسم الانتخابات الحالي. وقالت هيل “كنت أنكمش رعباً كلما ذُكر اسم بوتين في المناظرات الرئاسية”.
وكان التواجد الكلي لبوتين خلال الحملة الانتخابية دليلاً آخر، للجمهور الروسي والأميركي على حد سواء، أن روسيا لن تخرج من المعادلة بعد عدّ أصوات الناخبين.
وقال سيرجي ماركوف الذي يدير معهد أبحاث موالٍ للكرملين، لجوليا أيوفي الصحافية بمجلة فورين بوليسي: “كيف لا تُصنف روسيا كقوة إقليمية عندما تكون الموضوع الرئيسي للمناظرة الرئاسية الثالثة؟”.

نتائج طويلة المدى

لكن لم يحز نجاح حملة الإجراءات النشطة الروسية إعجاب الجميع. في سعيه لإحداث اضطراب في الانتخابات الأميركية، قد يكون بوتين أغفل التفكير فيما سيحدث لاحقاً.
قال غاليوتي: “على المدى القريب، حقق بوتين بالطبع ما سعى لتحقيقه، وهو عرقلة كلينتون. لكن دائماً ما يبدو لي أن بوتين لا يفهم النظام الديمقراطي ويسيء تقدير قوته، ولم يفكّر ملياً في النتائج طويلة المدى لما يفعله الآن”.
وأضاف غاليوتي: “في حال فوز كلينتون، نتوقع أن تكون أكثر عدائية من ذي قبل، وأقرب للشخصية التي يتخيلها بوتين عنها. وحتى في حال فوز ترامب، فإن مؤسسة الأمن القومي في العاصمة التي سيتعامل معها ترامب اقتنعت تماماً أن نظام بوتين يمثل خطراً واضحاً، ليس على النظام العالمي فقط بل على نظام أميركا الديمقراطي أيضاً”.
لا يوجد دليل على انتهاء وشيك لحملة الإجراءات النشطة الروسية بحلول يوم الانتخابات الثلاثاء المقبل. بل يعطيهم هذا أسباباً أكثر للاستمرار. إذا فازت كلينتون بالرئاسة ستصل إلى المنصب في موقف ضعيف مسبقاً سببته التسريبات الروسية بالإضافة إلى كشف جاري عن استخدامها لنظام مراسلة إلكترونية خاص. بينما سيجد ترامب نفسه، إذا أصبح رئيساً، أمام حرب دعائية روسية مشابهة إذا قرر الانقلاب على بوتين.

تعهد بالرد غير واضح

تعهد البيت الأبيض بالرد على الاختراق الروسي، بينما لم يوضح أي شكل سيأخذه هذا الانتقام. عقوبات اقتصادية؟ تسريبات لاتصالات حكومية روسية؟ هجوم على أنظمة روسيا الإلكترونية؟.
قال مسؤولون إن الرد الأميركي سينتظر على الأغلب إلى بعد نهاية الانتخابات. وبافتراض أن كلينتون ستخرج فائزة منها، سيقع على عاتقها المساعدة بتصميم ولاحقاً تنفيذ استراتيجية لرد العدوان الروسي في المستقبل.
وقال شيف: “إذا لم يدفعوا ثمناً باهظاً في مقابل الاعتداء الأخير، سيستمر التدخل الروسي كما هو الآن”.

s1tk
s1tk
تعليقات